الخميس، 5 مايو 2011

وجهان لعملة أمريكية واحدة

القاعدة و العدالة والتنمية التركي .. وجهان لعملة أمريكية واحدة


يطرحُ الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في هذا التوقيت بالذات جملةً من الأسئلة، خصوصاً مع ما تشهده المنطقة العربية من حراك سياسي يسير في أكثر من اتجاه، بل وتتعدّد مرجعياته وأهدافه ونتائجه.

فمن النافل القول: إن بن لادن وفي قراءة تاريخية لنشوء الحركات الأصولية يعدّ في عُرف المتابع للأحداث السياسية في المنطقة صنيعة أمريكية سعودية بامتياز، صنّعته دوائر الاستخبارات الأمريكية كقاعدة متقدّمة في وجه مدّ المعسكر الشرقي المتمثّل بالاتحاد السوفييتي السابق، وأفرز بالتالي ظاهرة "الأفغان العرب" الذين شكّلوا تنظيمات مسلحة أو ما عُرف بتنظيم القاعدة في اليمن والأردن والسعودية ومصر ولبنان والعراق والمغرب العربي، وكانوا بمثابة أوراق ضغط بيد الولايات المتحدة الأمريكية لتهديد أي نظام يتمرّد على السياسة الأمريكية أو يرفض أو يناقش إملاءاتها التي كانت تصبّ دوماً في قناة زعزعة الوضع السياسي في دول الشرق الأوسط برمّتها، والأمر ذاته استخدمته الولايات المتحدة كورقة ضغط على الروس في الشيشان. بل تجاوزته بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ووظّفته في حروبها الاستباقية أو ما ادّعت أنها "حرب على الإرهاب".

ولو شئنا أن نقرأ الحدث بشكل أدق ونقاطعه مع ما يحدث تحت مسمّى "الثورات العربية" سنكتشف أن السعودية مازالت تمارس هذا الدور المفضوح ولا غرابة في ذلك، فيما دخلت تركيا كحليف خفيّ، سرعان ما تساقطت أوراقه وانكشفت أمام التوجّه الأمريكي في اعتماده بديلاً لما كانت تعدّه الولايات المتحدة "الإسلام المتشدد" واستثمار علاقات هذا الحليف التاريخي مع الحركات الأصولية "المتشددة" والتي ليس أقلّها حركة الإخوان المسلمين في سورية التي اعترفت بالفم الملآن، ومن اسطنبول، بدورها التخريبي في المؤامرة التي تتعرّض لها سورية هذه الأيام.

إن مقتل أسامة بن لادن يؤكد أن الإستراتيجية الأمريكية "العمياء" نقلت مركز القوة والثقل وغيّرت اتجاه البوصلة وحرفتها باتجاه الشرق الأوسط، لتحقيق حلمها الكبير الذي بشّرت به كونداليزا رايس في عام 2006 من خلال الفوضى الخلاقة، والتي تتبدى ملامحها اليوم فيما يحدث في تونس ومصر واليمن وليبيا، ما يؤشر إلى دخول المنطقة العربية تلك الإستراتيجية بعيدة المدى التي خُطّت بعناية، والوجه الآخر للحركات الأصولية تحت مسمّى "الإسلام المعتدل" وكلاهما وجهان لعملة واحدة، وما يؤكد ذلك هو أن الإخوان المسلمين في مصر، الحركة ذات التاريخ الدموي، أدركوا هذا التوجّه الأمريكي الجديد وعمدوا إلى إنشاء حزب سياسي.. وياللغرابة!! أن يسمّى حزب "الحرية والعدالة" ما سيحيلنا فوراً إلى "حزب العدالة والتنمية" الذي أسّسه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يطرح نفسه اليوم بديلاً منادياً بالإصلاح السياسي في الوطن العربي، ورفع "الظلم عن الشعوب" متناسياً أن تركيا مازالت غارقة بدماء مئات الآلاف من الأرمن والآشوريين، وحتى اللحظة تمارس أبشع أنواع الاضطهاد على بعض الأقليات في المدن والقرى التركية.

إذاً ما يحدث اليوم من تحولات لا يمكن قراءته إلا من زاوية تبادل الأدوار، وأن تركيا التي لطالما عُرف عن حلمها الإمبراطوري باستعادة أمجاد الدولة العثمانية المندثرة، اختارت أن تلعب لعبة "الإسلام المعتدل" بمواجهة "الإسلام المتشدد" متكئة على تاريخ مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما فعله حزب الاتحاد والترقي الذي كان نواته وداعموه يهود "الدونما" ويعود الآن بصورة "حزب العدالة والتنمية" ليذكرنا أن تركيا لم تكن يوماً إلا أداة طيّعة بيد الحلم الصهيوني الذي فكّك بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا الدولة العثمانية، ويسعى اليوم لتفكيك ماتبقى من كيانات سياسية خدمة لمشروع "إسرائيل الكبرى".

باختصار.. الإعلان عن مقتل بن لادن في هذا التوقيت بالذات، ليس بريئاً أو بعيداً عن المشروعات البديلة المطروحة، وهو عتبة أولى للدخول إلى "الشرق الأوسط الجديد".. وما التكالب المفضوح الذي تمارسه بعض القنوات الفضائية كـ"الجزيرة والعربية" ومن ورائها بعض الدول العربية التي تتواطأ في الخفاء والعلن ضد سورية وقوى المقاومة إلا بعض تجليات السياسية الأمريكية العمياء .

بقي أن نذكّر السيد أردوغان أن سارة آرنسو "الشقراء اليهودية" هدمت الإمبراطورية العثمانية بداية القرن الماضي.. وربما يعيد التاريخ نفسه بداية القرن الحالي.. كما حريّ بنا أن نذكّر أيضاً أن قناة الجزيرة ستعمل على اقتناص الفرصة كمنبر "للتطرف الإسلامي" على استعادة ما فقدته وخسرته من رصيد شعبي على يد السوريين برثائها المستمر لأيام وربما لأسابيع لمن كان منبره الوحيد "قناة الجزيرة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق