كشفت قضية طل الملوحي، التي توصف بـ"المدونة"، استغلال الاميركيين لأدوات التواصل عبر شبكة الانترنت للإيقاع بمواطني الدول الأخرى في براثن العمل المخابراتي الأميركي، دون إهمال حقيقة أنه ليس كل مدون جاسوس أميركي، كما أنه ليس كل جاسوس لأميركا مدون وسجين رأي.
البيان الأميركي المطالب بمنح البراءة لـ"طل الملوحي"، لم يخل من تناقض بالنظر إلى أن قضية طرد ونبذ وادانة كبيرة صحفيات البيت الابيض هيلين توماس بلا محاكمة لا تزال حية في الذاكرة فقط لأنها أيدت حقوق الفلسطينيين.وكذلك الأمر بالنسبة للحرص الأميركي على طل الملوحي في الوقت الذي لاتزال فيه زنازين غوانتنامو مفتوحة لمزيد من المعتقلين بلا محاكمة، ولاتزال سجون واشنطن السرية منتشرة في كل بقاع الارض.
طل الملوحي اعترفت أمام القضاء السوري بعملها لصالح الاستخبارات الأميركية، وقد استندت المعلومات اليت عرضتها المسؤولة في وزارة الخارجية السورية السيدة بشرى كنفاني على معلومات من مصادر قضائية كشفت لأول مرة عن تفاصيل تجنيد الملوحي ونوعية الملعلومات التي سربتها والهدف منها.
نشأت طل دوسر الملوحي في أسرة تعاني من بعض المشاكل ما جعلها تعيش في مراهقتها حالة عدم استقرار نفسي ، وهو أمر هربت منه بحثا عن نقيضه خارج المحيط العائلي ، ولانها مفككة نفسيا واجتماعياً، فان أصدقاء الفتاة في سوريا (قبل إنتقال عائلتها للعيش في مصر) يعرفون بانها كانت تتمتع بشخصية غير مستقرة ومغامرة ولديها تذبذب في معتقداتها وافكارها فتارة ترتدي الحجاب وتارة تخلعه، وتارة تلتزم بالصلاة وطورا تنبذ كل ما له علاقة بالدين والتدين ، وكانت مزاجيتها تلك سببا لحالة من الوحدة عاشتها بعد ابتعاد زميلاتها عنها لعدم ثباتها على تعامل واحد معهن ما دفع طل الملوحي الى البحث عن الصداقات عبر الانترنت والمواقع الاجتماعية .
التجنيد أولا
وعلى ما اعترفت به طل نفسها اما قضاة محكمة امن الدولة العليا فان ضابطا نمساوي الجنسية من قوات حفظ السلام العاملة في محافظة القنيطرة (UNDOF) هو من جندها خلال إحدى زياراتها إلى محافظة القنيطرة ، وعلى اثر ذلك التعارف توطدت تلك العلاقة بعد فترة من التواصل الالكتروني عبر الانترنت بينها وبينه ما ادى إلى إلى نشوء علاقة حب عاصفة من طرف طل الملوحي على الاقل وسيلتها الاولى كانت الانترنت، ورسائل الحب الالكترونية ، وخلال تلك العلاقة مع الضابط قدم لها الحبيب المفترض بعض الهدايا ثم بعض المبالغ المالية ، وبعد ان وثق علاقته بها من الناحية الجسدية والنفسية جندها للعمل المخابراتي معه بحجج وتغطيات معروفة في عالم المخابرات ، وحين اصبحت طوع بنانه بعد ان ورطها امنيا ولم يعد في وسعها التراجع طلب منها السفر إلى مصر متعهدا بمساعدة والدها على ايجاد فرصة عمل افضل من تلك التي يمارسها في سوريا .
الانتقال إلى مصر
- في العام 2006 أقنعت "طل" والدها بالسفر إلى مصر زاعمة انها تملك صديقة مقتدرة ستساعدها عبر والدها على تأمين فرصة لتحسين وضع الأسرة، وهذا ما حصل حيث وصلوا إلى مصر بتاريخ 29/9/2006، وتم تأمين مسكن لأسرتها في حي شعبي لا بأس به في منطقة حدائق حلوان، وذلك بالتنسيق بين ضابط الـ(UNDOF) والمصري "أحمد فوزي حبيب" الذي افتتح مقهى إنترنت بالمشاركة مع والدها.
- في شهر آب 2008 زار ضابط الـ(UNDOF) مصر والتقى مع طل التي كانت تتابع تزويده بالمعلومات عن طريق عدد من طرق التواصل التي دربها عليها ولكنه في هذه المرحلة قرر نقلها إلى العمل المباشر مع أسياده الأميركيين ولضمان تحولها من العمل مع حبيب العمر كما كانت تظن الفتاة إلى العمل مع الأميركيين، كشف لها الضابط أنه يملك فيلم فيديو يسجل بالصوت والصورة علاقة جنسية كان قد أقامها معها سابقا، وكان قد قام بتصويرها خفية على قرص ليزري، وكشف لها الضابط يومها بانه يريدها ان تتعامل مع اعضاء في السفارة الاميركية في القاهرة للايقاع ببعض من لها قدرة على الوصول اليهم من السوريين المقيمين في مصر وكشف لها، زيادة في الضغط عليها، بأنه سلم نسخة من " الفيلم " إلى السفارة الأمريكية في القاهرة.
وتكشف طل في اعترافاتها أمام المحكمة أنه أسقط بيدها بعد سماعها ما قاله لها الضابط النمساوي، فوافقت على كل ما طلبه منها لخوفها من الفضيحة أولا ولأنها خافت من أن يتعرض لها بالأذى وفقا لتهديدات وجهها لها، وبعد معرفة الضابط بموافقتها على كل ما طلبه منها عمد إلى ترتيب لقائها بأحد ضباط الإستخبارات العاملين في السفارة الاميركية في القاهرة وبذلك ربطها بعلاقة عمل استخباري مع الأميركيين.
وتتابع طل قائلة انها التقت مع ضابط يدعى "جون" وقام هذا الأميركي بتوجيهها لمتابعة أدق التفاصيل عن بعض العاملين في السفارة السورية في القاهرة، وعلى الأخص متابعة دقائق عمل وسكن وتفاصيل حياة الدبلوماسي السوري (سامر ربوع).
ولأنها سورية ولديها حجة منطقية للتردد على السفارة السورية في القاهرة فقد بدأت "طل" تلعب الدور المرسوم لها من قبل الاميركيين الذين كانوا يتابعون علاقاتها مع أعضاء في السفارة السورية بشكل دقيق جدا ومن ثم بدأو يزودونها بمعلومات لكي تستدرج من خلالها انتباه العاملين في السفارة السورية إلى نشاط بعض المعارضين المقيمين في القاهرة، وقد أقامت طل الملوحي بطلب من الأميركيين علاقة فعلية مع معارضين سوريين منهم (مراد آغا – وثائر الناشف).
كما حاولت طل أيضا تقديم نفسها للعاملين في السفارة السورية في القاهرة بصفة الناشطة التي لها علاقات مع جماعة عبد الحليم خدام .
- بعد ذلك قام الضابط الأميركي "جون" بتسليم مهمة تشغيل "طل الملوحي" مخابراتيا لإحدى موظفات السفارة الأمريكية بالقاهرة وتدعى جيسيكا وهي أعلى شأنا من جون (اسمها الحقيقي إيمي سيا كاثرين ديستفانو) ( AMY SIA CATHERINE DISTEFANO) .
وعلى ما يبدو فإن عملية مخابراتية كبيرة كان يقوم بها الأميركيون ضد سورية انطلاقا من القاهرة، وكانت لجيسيكا تلك اهتمامات خاصة بالديبلوماسي السوري سامر ربوع فطلبت من طل الملوحي إغراء الديبلوماسي السوري بكل الأساليب الممكنة بما فيها الجنسية (أبدت طل الملوحي اعتراضا على الموضوع الجنسي، كما ذكرت في اعترافاتها، ولكن الأميركيين ذكروها بما يملكون من أدوات ضغط ضدها فرضخت لمطلبهم).
تقول طل الملوحي في اعترافاتها بأنها حاولت إغراء سامر ربوع ولما فشلت طلبت منها جيسيكا العاملة في السفارة الاميركية أن تخضع لجهاز كشف الكذب داخل السفارة الاميركية ثم ابلغتها أنها نجحت في الامتحان ونقدتها مبلغ خمسمئة دولار ثم بعد شهر عاودت اخضاعها لكشف طبي ولكن في مبنى القنصلية الأميركية بالإسكندرية ونقدتها مبلغا آخر من المال وسلمتها شريحتي هاتف للتواصل معها، كما قامت بتصويرها أثناء ممارستها الجنس مع سائق جيسيكا، وفي الوقت نفسه طلبت منها أن تركز على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الديبلوماسي السوري سامر ربوع.
-قدمت "طل" للسفارة الأميركية كل ما يتعلق بعمل السفارة السورية، وتفاصيل حياة الدبلوماسي (سامر ربوع) فقامت جيسيكا بمحاولة تجنيد الدبلوماسي "سامر" للعمل لصالح الـ/CIA/ . وعندما رفض "سامر ربوع" العمل مع الأميركيين تعرض لمحاولة قتل أمام منزله وتبين من التحقيقات المصرية المثبتة بمحاضر القضية أن الأميريكية جيسيكا ومرافقها المدعو (ستاسي روس ستاربوك - STACY ROSS STARBUCK ) قاموا بها وذلك لمنعه من كشف هويتها المخابراتية، وتمت واقعة الإغتيال بتاريخ 17/11/2009، مما أدى إلى إصابة سامر ربوع بعاهة دائمة في وجهه ولازال يعالج منها.
استغل الدبلوماسيان الأميركيان المذكوران الحصانة الممنوحة لهما فلم يتم توقيفهما ثم تم طرد الدبلوماسي (ستاسي) من مصر من قبل السلطات المصرية لثبوت إدانته بالواقعة ولنقص الأدلة نجت جيسيكا من الطرد، علماً بأنه تم رفع دعوى قضائية أمام نيابة شمال الجيزة الكلية برقم /32443/ لعام 2009 بحق الاميركيين.
- بعد عودة "طل" وأهلها إلى سورية بتوجيه من جيسيكا استمرت "طل الملوحي" بالتواصل مع الأميركيين الذين كانوا منذ بداية علاقتهم بها قد طلبوا منها تكثيف عملها في التدوين الإلكتروني زاعمين لها أن ذلك يعطيها حصانة ويقدم للأميركيين حجة مناسبة للدفاع عنها في حال اعتقالها، ثم جرى تكليفها بعدة مهام داخل سورية، أهمها:
* زيارة سجني صيدنايا وعدرا مع ناشطي حقوق الانسان والزعم بانها منهم والتعرف على حالة الموقوفين هناك، ومنهم (فداء حوراني وأكرم البني).
* محاولة تجنيد من يمكنها التقرب منهم من الضباط وخاصة ضباط الأمن (بدأت بارتياد النوادي الخاصة بالجيش والقوات المسلحة).
* قامت بإرسال معلومات عن أسماء الضباط والعاملين في المقرات الأمنية الذين عرفتهم أو عرفت أقارب لهم.
* حاولت أيضا التقرب من أبناء وبنات من المسؤولين السوريين بزعم أنها صحافية تعمل في الصحافة الحرة.
هذا بعض ما ورد من تفاصيل في اعترافات طل الملوحي أمام المحكمة وهي وقائع مثبتة، فهل نستغرب بعد اليوم حملات الأدوات المخابراتية الأميركية دفاعاً عن طل الملوحي ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق