الخميس، 5 مايو 2011

لهذا تحرك الجيش السوري



عندما اعتمد الغرب مشروع إسقاط سورية، مستفيداً من بيئة «الثورات الشعبية العربية»، مع علمه بمناعة الدولة وقوتها، قرر أن ينفذ خطة تقوم على عنصرين:

ـ الإعلام التحريضي ووظيفته إسقاط المناعة الوطنية، لإحداث انفكاك الشعب عن دولته وجيشه وحكومته، وإلحاقه بجماعات معارضة الحكومة ومواجهتها، بكل السبل.

ـ الخلايا التخريبية المسلحة التي تمارس عمليات القتل والتدمير وإثارة الجماهير ضد الحكومة بتهمة «ارتكاب المجازر والجرائم ضد الإنسانية»، ولا بأس من الوصول إلى تهمة الإبادة الجماعية، التي تقود الملف السوري إلى مجلس الأمن والمحاكم الدولية الجنائية، ليتحقق ما حلمت به «إسرائيل» وأميركا من خلال قتل رفيق الحريري وإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان، التي تعثر عملها الى حد ضاع فيه قرارها الاتهامي حتى اختلط أمره بين الصدور والتريث والمراجعة .

في المقابل، كان على الحكم السوري أن يتصدى للهجوم ضمن حدود الممكن والمتاح، وهنا ظهر سلوكه في أكثر من اتجاه:

ـ سياسياً: بادر الرئيس الى تشكيل حكومة جديدة أوكل اليها تنفيذ برنامج إصلاحي شامل وعقد هو شخصياً سلسلة لقاءات حوارية مع طبقات شعبية عربية وكردية ومن مختلف المناطق اعطيت بنتيجته الكثير من مطالبها، ثم أطلق العملية الاصلاحية الوطنية بجدية وسرعة ملحوظتين. وكان يتوخى من كل ذلك مصلحة الوطن والشعب، وأن يكون الحل بالحوار والسياسة.

ـ إعلامياً: جهدت الدولة في إظهار المخاطر التي تتهدد الوطن والتحذير من الوقوع في شراكها لكنها سجلت محدودية القدرات الاعلامية الذاتية، وضيق مساحة الاعلام الصديق ومحدوديته أيضا إذ لا يمكن أن يدعي أحد أن الاعلام السوري كان بمقدوره أن يتغلب على تلك المنظومة الإعلامية «الاقليمية الدولية» ذات الامكانات غير المحدودة،

ـ وفي المجال الأمني كان لا بد من حذر الوقوع في الفخ، الذي نصب لسورية وشعبها وقواتها المسلحة، والاندفاع الى المواجهة بين القوات العسكرية والكتل الشعبية غير المسلحة، وهنا نسجل التدرج في السلوك بين امتناع كلي عن اطلاق النار والتعامل مع التظاهرات بذهنية الامن المراقب لحماية حركة «التعبير الحر عن الرأي» الى مستوى «الأمن الذي يحمي المواطن» من نار مسلح خرج على القانون بحمله السلاح واستهداف مواطنيه الآخرين تنفيذا للخطة، الى المرحلة الثالثة وهي التي فرضتها تطورات ما بعد الدفعة الاولى الهامة من القرارات الإصلاحية وهي «استخدام الامن لحماية الوطن والشعب».

لقد كان من المنطقي ان تؤدي القرارات الاصلاحية الكبرى (الغاء قانون الطوارئ ومحكمة امن الدولة) الى زرع الثقة لدى المواطنين بأن الحكومة جادة في السير السريع في الاصلاحات التي تعهد الرئيس بها، وكان منطقياً أن تتراجع الحركة المطلبية من الشارع لمراقبة التنفيذ والسعي الى مواكبته ودعمه وتشجيع القائمين به، لكن الذي سجل بعد 24 ساعة فقط من إعلان الإصلاحات أمران هامان:

ـ الأول يتعلق بتصرف الجماهير التي انكفأت عن المشاركة في التظاهرات الى الحد الذي لم يخرج في كل سورية وفي كل أماكن الاحتجاج والتظاهر وفقا لما سجلت وكالات الأنباء حتى المتحيزة منها ضد سورية، أكثر من 14 الف متظاهر، يقابلهم 24 مليون سوري لازموا أماكنهم في المنازل والعمل واثقين بانطلاقة الحركة الاصلاحية.

ـ أما الثاني فقد تمثل في تصرف الخلايا التخريبية، التي صدمتها جدية الحكم وسرعته في الإصلاح فانتقلت مباشرة الى توسيع دائرة القتل واستهداف المراكز العسكرية، خاصة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الجهاز الدفاعي في المنطقة الخلفية من الجولان وفي محيط درعا بالذات، فضلا عن استعدادات لاطلاق حركة انفصالية في جنوب البلاد تكون الكوة التي يحصل من خلالها التدخل الاجنبي الذي إن بدأ، فلن يتوقف الا بعد تقسيم سورية وشل قدراتها كليا لترتاح «إسرائيل».

لقد وُضِعت القيادة السورية أمام تحدٍ كبير إثر الحركة المسلحة وعدوانيتها، وبعد الفتوى السلفية التي أجازت قتل ثلث السكان (8 ملايين) من أجل حياة الثلثين، واختبرت القيادة في شجاعتها وحرصها على وحدة البلاد وسلامة الشعب، وهنا كان القرار الاستراتيجي الذي غير اتجاه الاحداث ووضع سورية على خط الامن ومنع الفتنة الطائفية والحرب الاهلية: إنه القرار باجتثاث الحركة التخريبية وعدم التوقف عند التهويل الغربي أو التلفيق والتباكي الاعلاميين التحريضيين.

والآن وقد وصلت الأمور الى ما وصلت اليه وعولج أمر الأمن، يُطرح السؤال حول مستقبل الامور في سورية، هنا نرى أن الاصل في الأمور يكمن في البحث عن الحل السلمي الدائم، دون أن ننسى من جهة أخرى أن فكرة قيام الدول قامت أساسا على الامن وتوفيره لمن ارتضوا التنازل عن جزء من حقوقهم ليحفظوا الباقي وفي طليعتها امنهم وسلامهم، ولذلك لا يمكن مطلقا القبول باختلال الامن ولا يمكن مطلقا أن تتراخى الدولة أو تسلم بالخلل الامني وتهديد البعض للسلامة العامة، ويكون من واجبها أن تعالج أي خلل أمني يظهر في فرض الأمن وهي تعلم أن الحل في مجتمع ما لا يكون أمنيا فقط ولا يكون بالإكراه خاصة وأن أصل تكوين المجتمعات يقوم على فكرة العقد الاجتماعي والتراضي والتوافق وما قام على القسر والاكراه فانه مهدد بعدم الاستقرار اما الاستقرار الحقيقي وهو كما قلنا ونعتقد لا يصنع في النهاية الا بتوافق مكونات الشعب توافقاً يأتي به حوار جدي مخلص مع السلطة وعقلانية في طرح المطالب وواقعية في وضع البرامج والمهل للتنفيذ. مع الانتباه الى ان مصلحة الوطن هي غير مصلحة الخارج في الوطن ومن يصغي الى الخارج عليه ان يحذر من المخارج التي تفتح له ليخرج على الوطن وهنا عليه ألا ينتظر من المواطنين وسلطتهم الوطنية التسليم له والانصياع إلى من يأمره.

ان استعادة الأمن أمر كان لا بد منه، وهنا قد يقال سقط ضحايا ووقعت خسائر، وهذا صحيح واننا نتألم لكل ما وقع، ولكن لو لم يعالج الامر هكذا لكانت حلت كارثة كبرى، وكم من حل يفرض مع خسائره فيدفع امراً اكثر سوءاً وبين السيئ والأسوأ، يختار السيئ لأن مع تركه يحل الأسوأ. وبعد تحقيق الأمن اصبح ممكناً السير في طريق الحوار والإصلاح في مناخ آمن لمن يريد الخير لسورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق