الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

الانعطافات السورية... أردوغان وقارئة الفنجان؟


كلما استمعت الى المعارضين السوريين والى أميرهم الأكبر رجب طيب أردوغان تذكرت قصيدة قارئة الفنجان حيث يجلس المعارضون السوريون على الفضائيات منذ 7 أشهر ويقرؤون لنا فناجين قهوة الثورة السورية فيما يذهب أردوغان بعيدا في قراءته للفنجان السوري حيث يبصّر لنا ويقول: ان الربيع العربي سيحط رحاله في سوريا حتما وأن من وصل بالدم لايستمر الا بالدم !! وأن النظام سيسقط..

وكلما تجولت على محطات الأخبار والفضائيات طالعتني وجوه جديدة ..ووجوه قديمة .. مؤيدة ومعارضة ..وغني عن القول انني لم أعد أستمع للكثيرين لأنني صرت أعرف ماسيقوله قرّاء الفنجان السوري.. وأكاد أحيانا أوفر على المتكلم عناء الشرح وأتحدث نيابة عنه في سري.. وربما أعرف مفرداته التي يستعملها كل مرة (نفس العبارات والمفردات عن النظام والوحشية والديكتاتورية والفساد والحاجة للتغيير والعائلة الفاسدة ومخلوف و40 سنة والحل الأمني وو..وبالطبع حمزة الخطيب). والحقيقة ان كل مايمكن ان يقال في هذه الأشهر السابقة قد قيل وصار عزمي بشارة وعطوان وجعارة واللاذقاني وزيادة وغليون والعرعور ووو..حائرين في اختراع لغة جديدة ومفردات جديدة يعلقونها كالعقد في عنق الثورة السورية لتجميل وجهها الدراكيولي القبيح ولارضاء جنونها، وصاروا يرددون نفس المقولات الى حد الملل حتى أنني أرغمت على الاعتراف أن تكرار الاستماع للمعارضين السوريين أوصلني لمعرفة معنى عبارة (لاجديد تحت الشمس) وصرت أخفض صوت التلفزيون وأتفرج على حركات الفم والعيون والوجه دون الحاجة لسماع الصوت فيما أقرأ بعض الكتب..فقراءة الكتب هي التي أوصلتني دوما للحقائق وليست ثرثرات عزمي بشارة وبسام جعارة

كم من فناجين القهوة قرأ لنا المعارضون، وكم فنجان قهوة شربنا وقلبنا في كل مساء وعقب كل مؤتمر للمعارضة لنعرف مصيرنا وقدرنا واتجاه الأحداث في سوريا ولم نصل الى نتيجة الا أننا كنا نطارد خيط دخان !!...في كل مساء.. وفي كل يوم جمعة، يجلس المحللون المعارضون ويتفننون في القاء الهلع والرعب من الناتو القادم كالقدر، ومن انهيار النظام الذي يترنح .. كم جلسوا (كما جلست قارئة فنجان عبد الحليم حافظ) ..يتأملون فناجين القهوة المقلوبة ..وليقولوا لنا ان الموت هو المكتوب على النظام السوري قبل رمضان وان الشعب السوري الثائر في الحارات والزنقات سينتصر قريبا .. وأن الجيش السوري سينشق مئات المرات ويضرب بعضه، وأن الملايين ستخرج الى الشوارع وأن الاقتصاد سينهار، وأن الناتو قادم، وأن المناطق العازلة قد انطلقت ..وأن الروس سيتغيرون وأن الايرانيين سيتراجعون وأن وأن وأن .. ومن يقرأ فناجين القهوة لدى المعارضة يكاد يعتقد أن برهان غليون صار يجري مقابلاته مع الجزيرة وهو يشرب فنجان قهوته في قصر الشعب في دمشق !!...أوبعد هذا الفشل في استقراء الأحداث بربكم أليست أية قارئة فنجان بدوية تعرف في السياسة أكثر مما يعرف هؤلاء المعارضون والمحللون؟؟ أليس من حق جمهور المعارضة قبلنا أن يسأل قرّاء الفنجان الكثر: كيف لم تصدق كل قراءاتهم للفنجان السوري؟؟؟

والجواب هو أن الفرق بين قراءة الفنجان ياسادة وبين علم السياسة هائل كالفرق بين ضوء الشمس وضوء الشمعة وكالفرق بين دماغ ألبرت اينشتاين و دماغ عدنان العرعور وكالفرق بين جدول مندلييف الدوري في الكيمياء ومعادلات العطارين في الأحياء الشعبية ...وكالفرق بين وطنية برهان غليون التي باعها بعشرين مليون يورو ووطنية أبطال جسر الشغور الذين قاتلوا حتى النهاية وهم يرقصون وترك أحدهم لنا وصية: اننا سنموت..لكن الوطن أمانة في أعناقكم

الجمهور السوري لايريد قراءة في الفنجان بعد اليوم بل يريد علما في السياسة وهو تواق الآن لأن يعرف الاتجاه بعد أن بدأت السفينة السورية انعطافة أخرى في هذا الجو العاصف ..ويريد البعض أن يتأكد أن الهزيمة قد ألحقت نهائيا بالمشروع الكبير الذي أراد تقويض النظام في سوريا والحاق البلاد بالفوضى والصراعات السياسية..ولكن وقع الرصاص هنا وهناك واستمرار التصريحات وتوالي العقوبات الغربية يلقي بظل من الريبة والقلق ويولد شعورا عاما أن الأزمة ستطول وأن لانور في الأفق..وفي كل مساء يردد السوريون السؤال الذي يقول: هل انتهت الأزمة؟؟ اذا لم تنته الآن فمتى؟

يعتقد البعض أن قراءة الأزمة السورية بالغ التعقيد لأن كل قراءة المعارضة لها كانت ركيكة وتعتمد تقنيات البصارات واغفال علم السياسة .. لكن تعالوا معي في هذه الرحلة الصغيرة نطوف بها على علم السياسة ولنترك قراءة الفناجين المقلوبة لبرهان غليون والمجلس السوري الانتقالي ورجب طيب أردوغان والشيخ العرعور ..العرعور الذي يقرأ للروس فنجانهم هذه الأيام..ولمن يريد أن يبتسم فليبحث عن قارئ الفنجان الروسي ..عدنان العرعور..

ففي مراجعة للأحداث السورية يمكن الوصول الى استنتاجات ستفضي الى معرفة الاتجاه الذي تسير فيه هذه الأزمة..فالأزمة أطلقت على شكل امتداد لربيع عربي لاحداث تغيير كبير في بناء السلطة عن طريق ضغط الشارع والاحتجاجات خلال أسابيع وانتهت اليوم بعد 7 أشهر الى اتباع التركيز على سلسلة اغتيالات وعمليات مسلحة متناثرة ولو أنها متركزة في وسط البلاد..

علم السياسة والتاريخ يغرقاننا بالدلائل ويرشقاننا بالاستنتاجات الغزيرة على أن الثورة تلفظ أنفاسها ..وهذا الضجيج والصخب هو حشرجات الموت في أسابيعها الأخيرة.. ومراجعة الأحداث تشير الى حقائق هي:

أولا: بالرغم من كل الهجوم الاقليمي والدولي ومليارات الدولارات فقد صمد النظام وتماسك 7 أشهر ويبدو من السخف الآن أن نتوقع سقوطه بعد هذا التماسك الاسطوري وبعد أن استرد زمام المبادرة حيث فشلت الثورة في تحريك الكتلة العظمى من السكان .. فما سمي بالثورة السورية كان يمكن لها أن تحظى بالنجاح فيما لو استمرت على نفس النمط من التصاعدية والاتساع في الأسابيع الأولى وهو كما يصفه بيل غيتس بالتحرك الحلزوني للنجاح..فالنجاح يستولد مزيدا من النجاح ..واذا كان التحرك متسعا باطراد سمي الحلزون الايجابي وان بقي ثابتا أو تراجع ليتضاءل ويموت سمي "الحلزون السلبي"..وماحدث أن الثورة فشلت في الاتساع بعد حد معين لعدم رفدها بالمزيد من المحتجين فغيرت اتجاهها نحو الحلزون السلبي ووقعت في الخطأ القاتل.. وهو العنف المبكر..

فالمعروف أن الثورات الجماهيرية وتحركات الشارع اذا لم تتصاعد وبقيت طويلا بنفس السوية فانها لاتملك القدرة على البقاء .. وقد كانت نصيحة الخبراء الغربيين الذين يقدمون النصائح الآن "لقيادة الثورة" (وهؤلاء الخبراء هم شخصيات تتحرك في الظلام الدامس باستثناء هنري ليفي وسيتم الكشف عنهم لاحقا) أن الفشل في توسيع الاحتجاج المدني بسرعة سيتسبب باحباط مفاجئ لدى المحتجين وقد يتراجعون في بعض المناطق خاصة أن السلطة في سوريا لجأت للحل الامتصاصي وسحب الحل الأمني بالاستجابة غير المتوقعة لطلبات المعارضة فيما يلتقي الأسد بالناس بشكل مكثف وينشط مؤيدوه بالملايين وهذا بدأ يخلخل معسكر المحتجين مهددا اياه بالتفكك ..وكانت النصيحة هي التالية: يجب قطع الطريق على الأسد باجباره على استخدام القوة وليس هناك من طريقة الا السلاح الكثيف ..كانت الغاية من اظهار السلاح الكثيف للناس هو اقناع من لم يتظاهر أن الثورة وصلت الى مستوى الثقة بالنفس لتتحدى السلطة علنا وأن على الناس أن يصلوا الى نتيجة أن النظام انتهى فيلتحق المترددون والمنافقون الخائفون من النظام الجديد بالثورة التي ستوقف عملية تخلخل صفوفها وتتوسع من جديد ..وكانت استعراضات المسلحين العلنية في حماة وجسر الشغور وبانياس واللاذقية والتي تم تصويرها من قبل المسلحين رسالة الى بقية السوريين بأن الثورة واثقة الخطوات ولاتخشى النظام .. لتزيد من ارباك الأسد الذي سيتردد كثيرا في استعمال "قواه" الأمنية والعسكرية لأن اقتحام المدن سيكون غاية في الصعوبة والخطورة وسيجلب عليه نقمة داخلية وخارجية.. وعملت المعارضة على زيادة منسوب الثقة لدى الجمهور أن النظام يترنح عبر مسرحية الاستعداد التركي للتوغل في سوريا بتفويض الناتو والاستشهاد بالدرس الليبي...

ولكن حدث مالم يكن بالحسبان..!!

الانعطافة الكبيرة حدثت هنا، وكانت في توجيه ضربة معلم مفاجئة وناجحة لمراكز العصيان المسلح والفوضى.. وكان لانهيار المتاريس والحواجز ومصادرة السلاح واعتقال الفوضى أثر في تغيير مزاج الناس الذين كان يمكن أن تتأثر معنوياتهم فيتراجعون عن تأييد سلطة أريد لها أن تظهر متداعية في رمقها الأخير...فقد سقطت كل المعاقل الكبرى للتمرد المسلح بسهولة فائقة وبأقل الخسائر وتحول المسلحون من مجموعات كبيرة متمترسة في الشوارع وتحتل مدنا الى أفراد متناثرين لائذين بالجبال والغابات يقومون بعمليات الاغتيال خلسة وتحت جنح الظلام في منطقة جغرافية محددة وهذا دليل على ضعف الحيلة وتشتت القوى الرئيسية للمسلحين

ثانيا: تمكن جهاز الاستخبارات من اثبات قدرات وكفاءة كبيرة في القاء القبض على معظم المجموعات والأفراد الذين قاموا بعمليات ارهابية كبيرة وشهيرة في تحد لسلطة الدولة وكل من تورط علنا بالقتل استحضر مقبوضا عليه ليعترف على التلفزيون ..فاعتقل قتلة نضال جنود وسفاحو جسر الشغور الذين التقطوا الصور التذكارية فوق الجثث واعتقل دبيحة دير الزور والقناصون في حمص ودوما وتم اصطياد المنشق (حسين الهرموش) .. وهناك معلومات مثيرة للقلق بين المعارضين أن جهاز المخابرات قد أرسل منشقين ولاجئين كثيرين للادعاء أنهم معارضون وزرع المؤتمرات برجاله الذين يرصدون كل الحركات ويسود بسبب ذلك جو من القلق والهلع بين كل الفارين ..فهذه الخدعة الاستخباراتية والاختراق الكبير هي التي فتحت حماة ودرعا وبانياس وجسر الشغور..وهناك صيد ثمين قادم على الطريق..والفأر بدأ يتذوق الطعم ويريد دخول الفخ..وهذه الانجازات الاستخباراتية في ضبط الأمن صارت مثار تقدير الكثير من رجال الاستخبارات في العالم..وسيثبت الزمن أن الاستخبارات السورية هي الاستخبارات الأفضل في منطقتها وخاصة بعد أن يتم تركيز عملها على اصطياد العملاء والمتسللين والمندسين دون التدخل في شؤون الناس اليومية ودون سلطات قانون الطوارئ التي أسيء استخدامها في الماضي وتسببت في تذمر الناس

ثالثا: تحركات أمير قطر باتجاه ايران ومحاولته الضغط على السوريين لقبول توبته، واسقاط وضاح خنفر مع ماتحمله كل دلالات هذا السقوط ..واحتمال عرض اسقاط رأس آخر.. فخنفر ومهما حاول تمثيل الاستقالة ورباطة الجأش لاشك أنه فوجئ بقرار اعدامه "المهني" والتخلي عنه بسهولة التخلي عن حذاء قديم مثقوب .. وقد سقط بشكل مدوّ ومفاجئ له ولنا وسمعنا صوت ارتطامه بالأرض بعد سقوطه من هذا المكان الشاهق الذي تبختر فيه صلفا ..سقط وضاح بين جمهوره ومريديه واتباعه الكثر أبو محمد الحمصي وأبو عبدالله بايزيد ورزان زيتونة ورامي عبد الرحمن و و و .. وكل جمهور شهود العيان الذين حاولوا تلقفه لكنه سقط بينهم على رأسه وتهشم دون أن يكون له أو لهم حول ولاقوة..نعم الرجل كان أداة كأي (جزمة) لعبور المياه الآسنة وكأي قفازات تعبث بالجثث وكأي سكين للجريمة وكأي فأس لقطاع الطرق وكأي ساطور من سواطير دير الزور وحماة وحمص.. وسقوط الأدوات مهما كانت رمزيتها يدل على ضعف الأيدي التي تسلحت بها ويدل على تعب هذه الأيدي أيضا .. وتغييره يشبه تغيير قائد قوات الكوماندوس الأمريكية في العراق بعد فشله في ضبط التمرد في "المثلث السني" لكن الفرق أن القائد الأمريكي سيعامل معاملة بطل فيما خنفر سيبقى حذاء مثقوبا لافائدة منه.. الجزيرة بعد خنفر لن تكون الجزيرة ..فخنفر أتى في زمن أريد به اطلاق التيار الاسلامي الطائفي في المنطقة حيث عملت الجزيرة تحت خنفر منذ بداية غزو العراق وفرشت العقول العربية بقصص التطرف المذهبي والانتحاريين السنة وفرق الموت الشيعية وانتهى عهد خنفر ايذانا بنهاية فعالية الجزيرة ونهاية مرحلة الثورات العربية.. بعد سقوطها على أسوار الشام..وتدحرجها من على ذرى قاسيون ..كما سيتدحرج رأس عزمي بشارة قريبا كطريقة وحيدة باقية لاعادة الثقة بالجزيرة..الثقة التي ثقبت بسبب اسم عزمي بشارة ..وبعد أن كان اسم بشارة صمام الثقة فاذا به يمثل أكبر ثقوب الجزيرة.. ولابد من رتق الفتق..أو التخلص من الفتق (عزمي) والفاتق (خنفر) والمفتوق (الجزيرة)..

رابعا: تسليم الأمريكيين بأن لاأمل في تمديد بقاء قواتهم في العراق والتهيؤ لهذا الرحيل الذليل بعد استمرار عناد الرئيسين الأسد ونجاد بهذا الشأن دليل ثقتهما بالقدرات والامكانات لديهما وعدم وجود احتمالات تغيير كبرى

خامسا: ثبات الدعم الايراني والروسي واندحار تركيا وجعجعاتها ومناطقها العازلة بل ولجوؤها السريع لاستضافة الدرع الصاروخية الأمريكية لما سمعت من نية اغراقها بالصواريخ ان هي أقدمت على حماقة أطلسية..

أما مانسمعه من أردوغان هذه الأيام وماسنسمعه منه في قادم الأيام فهو بالضبط قراءة الفنجان من قبل رجل تركي عقله خربان يريد اثارة انتباه المخدوعين برواسب فناجين القهوة ويحب رؤية الدهشة في العيون والفضول من رموزه وعباراته الغامضة.. ولأن أردوغان يفهم في لغة الفنجان فسأهديه شخصيا هذا المقطع الجميل من أغنية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في قارئة الفنجان:

لكن سماءك ممطرة ...وطريقك مسدود مسدود

فحبيبة قلبك ياأردوغان ..نائمة في قصر مرصود..

من يدخل حجرتها..

من يطلب يدها..

من يدنو من سور حديقتها..

من حاول فك ضفائرها..

مفقود ..مفقود ..مفقود ...ياأردوغان

وسترجع يوما يا أردوغان

مهزوما مكسور الوجدان

وستعرف بعد رحيل العمر

بأنك كنت تطارد خيط دخان..

ياولدي.. ياأردوغان

بقلم: نارام سرجون- البعث ميديا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق